17-02-2022

الإصلاح في مجال البناء

خلال سنوات عديدة كان العمال الفلسطينيون مرتبطين بشكل كامل بأرباب عملهم، وكانت أسماؤهم مختومة على تأشيرات دخولهم. قوضت هذه القيود القوة التفاوضية للعامل وقدرته على الدفاع عن حقوقه، كما أدت إلى زيادة التجارة في تصاريح العمل. ومن المعروف أن العمال الفلسطينيين يشترون التصاريح مقابل آلاف الشواقل في الشهر، هذا الواقع الوحشي يحدث تحت إشراف السلطات (في إسرائيل والسلطة الفلسطينية).

ثم جاء الإصلاح

في عام 2016 ، تمت صياغة مخطط لإصلاح نموذج التشغيل المجحف. سعى المخطط إلى تحرير العمال من الاعتماد على أرباب العمل، وتحسين قدرتهم التفاوضية، وفي نفس الوقت وقف التجارة المتزايدة في تصاريح العمل. بسبب تأجيلات متكررة، لم يتم تنفيذ القرار لمدة أربع سنوات،  وفي سبتمبر 2020، قدم عنوان العامل والجمعية لحقوق المواطن التماسًا إلى المحكمة العليا للمطالبة بتنفيذه. في أعقاب الالتماس، في ديسمبر العام الماضي، تم البدء بتنفيذ الإصلاح – في المرحلة الأولى في مجال البناء فقط.

هذه هي الخطوات التي ينبغي أن تمنح الإصلاح قوة كبيرة:

حظر تشغيل عمال فلسطينيين من خلال مقاول فرعي أو شركة.

حظر نقل العاملين من صاحب عمل إلى صاحب عمل.

وضع معايير لفحص أصحاب العمل المشتبه في أنهم يتاجرون في التصاريح.

تحديد فترة زمنية للعثور على صاحب عمل في إسرائيل مدتها 60 يومًا.

اكتشف تحقيق عنوان العامل أن دخول الإصلاح حيز التنفيذ لم يتم الإعلان عنه للجمهور، وفي المقابلات التي أجريناها تبين أن تجارة التصاريح لم تنخفض، بل ومن الممكن أن يكون الإصلاح قد أدى الى رفع اسعارها. وليس أقل سوءاً من ذلك – لا يزال يتعين على العمال التوقيع على سندات دين (كمبيالات) شديدة القسوة، والتي تستعبدهم لتجار التصاريح. أما بالنسبة لقسائم الرواتب – حتى هذا الحين، نسبة صغيرة من العمال في صناعة البناء تستلمها بانتظام (حوالي 12٪ فقط)، والغالبية العظمى غير قادرة على فهم ما هو مكتوب فيها (حوالي 85٪)، ولكن حوالي 95٪ من بين أولئك الذين يتلقون القسائم يعرفون أنها لا تتناسب مع رواتبهم الفعلية. كما اتضح مؤخرًا أن آلاف قسائم الرواتب التي صدرت للعمال لم تشمل سنوات أقدميتهم، بسبب خلل فني يُعزى إلى الإصلاح، وعلى الرغم من الوعود بتصحيح ذلك، من غير الواضح ما الذي سيحل بمصير مستحقات المرض والعطل التي لم يتم جمعها لعدة أشهر.

خلاصة الأمر – الإصلاح لا يزال متعثرًا، ويرجع ذلك أساسًا إلى أنه لم يقترن بإجراءات تم تحديدها منذ فترة طويلة وتهدف إلى ضمان حرية التنقل، وتقليل الاعتماد على الوسطاء وتوفير أدوات للبحث عن عمل بشكل مستقل.

قرار الحكومة من سنة 2016 بلور نموذجًا جديداً للتشغيل في فرع البناء

الضرر بالعمال وتجارة التصاريح وانعدام امكانية الرقابة على التشغيل في سوق يتميّز بالتشغيل الوهمي، أدت كلها الى تشكيل طاقم وزاري مشترك يكدّ على اقتراح نموذج تشغيل جديد في فرع البناء. لقد اعتمد النموذج الذي اقترحه الطاقم الوزاري على طلب تصريح للمشغّل وآخر للعامل، وإلغاء التقييد، بحيث يمكن للعمال التنقل بين مختلف المشغّلين في فرع البناء. تم تبني هذا النموذج في قرار الحكومة للعام 2016.[1]

لتسهيل مهمة العامل للبحث عن مشغلين، اقترح الطاقم الوزاري المشترك إقامة تدريب تأهيلي للعمال الذين لم ينجحوا بالعثور على مشغّل، أو إقامة "معرض تشغيل" بمبادرة وزارة البناء والإسكان، يقابل فيه المشغّلون العمال.[2] لقد أمر قرار الحكومة أيضاً بـ"إقامة منظومة فحص وإرشاد وتنسيب للعمال الفلسطينيين المعنيين بالعمل في اسرائيل في فرع البناء". يمكن للعمال الجدد الاستعانة بهذه المنظومة. ويُعفى من الفحص والتأهيل العمال الذين عملوا في اسرائيل لمدة شهر على الأقل في العامين المنصرمين. [3]

منذ صدور قرار الحكومة تأجل تطبيقه عدة مرات – في البداية لسنة 2018 ثم لسنة 2019 – إن التبرير الذي أعطته الوزارات الحكومية لهذا التأجيل كان الصعوبات والتأخيرات المختلفة، منها: تخصيص الميزانيات المطلوبة للتغييرـ أو تجنيد العمال أو الحصول على موافقات الوزارات المعنية.[4]

نظرا للتأخير المتكرر في تطبيق الإصلاحات، التمست منظمتا عنوان العامل وجمعية حقوق المواطن الى محكمة العدل العليا في أيلول-سبتمبر 2020 مطالبتان بتطبيق قرار الحكومة الصادر عام 2016، وإلغاء تقييد العمال الفلسطينيين لمشغّليهم، ليس في فرع البناء فقط، بل في فروع أخرى يعمل فيها العمال الفلسطينيون – كالصناعة والخدمات والزراعة والفندقة. [5]

في شهر تشرين أول- أكتوبر 2020 نشرت سلطة السكان والهجرة، تعليمات تفصل الترتيبات الجديدة في فرع البناء والتي دخلت حيز التنفيذ في بداية كانون الأول- ديسمبر 2020.[6] بموجبها:

" تعتبر الحصة المخصصة لفرع البناء "تابعة" للعمال وليس للمشغلين، بحيث يمكن للعمال التنقل بين مختلف المشغلين في فرع البناء حسب اختيارهم، ولن تحمل التصاريح الصادرة باسمهم اسم المشغّل، بل اسم فرع "البناء" فقط، وبشرط أن يكون تشغليهم مسجلاً وموافقاً عليه كما يجب في دائرة خدمات المشغّلين (وهو الاسم الجديد الذي أطلق على قسم المدفوعات في سلطة السكان والهجرة) وفي الإدارة المدنية".[7]

التعليمات الجديدة تحدد شروط وإجراءات الحصول على تصريح عمل (إجراءات لا يطالب بها المشغلون الذين يحملون تصريحا ساري المفعول)، وتشير الى أنه بعد الإصلاحات هناك حاجة لنوعين من التصاريح: تصريح للمشغل وتصريح للعامل.[8] ثمة تعليمات مختلفة تهدف الى ضمان عدم حصول مشغّل على تصريح إذا كان قد امتنع في الماضي عن الدفع لعماله أو لم يقم بتحويل الأموال المقتطعة لقاء الحقوق الاجتماعية.[9] أيضاً، تعرّف التعليمات الجديدة بضعة حالات قد تثار فيها الشكوك حول ما إذا كان طلب التصريح يهدف الى التشغيل المباشر للعامل أو لغرض تجارة التصاريح (مثلا، عدم التشغيل بوظيفة كاملة للعمال الذين يعملون أصلا لدى نفس المشغّل، أو الفرق الكبير في عدد التصاريح المطلوب وعدد العمال في الماضي، أو طلب التصاريح وإلغائها على فترات متقاربة)، وتحدّد التعليمات طريقة معالجة الطلبات المثيرة للشكوك.[10] ممنوع نقل العامل لمشغّل آخر أو التشغيل بواسطة مقاول قوى عاملة[11].

بالإضافة، يسمح للعمال الفلسطينيين الحاملين تصاريح العمل، الدخول لإسرائيل لمدة 60 يوماً على الأكثر بهدف البحث عن عمل.[12] بموجب تقديراتنا، كلما اتخذت خطوات لمحاربة تجارة التصاريح، وتم تبني خطوات لتمكين العمال من الحصول بشكل مستقل على معلومات عن المشغلين الاسرائيليين الذين يحملون تصاريح تشغيل شاغرة – بواسطة قواعد بينات أو معارض تشغيل (كما اقترح الطاقم الوزراي المشترك)،[13] أوبطرق أخرى – يمكن لهذه الفترة تمكين العمال من العثور على عمل، وتحريرهم من التعلق بالسماسرة. رغم ذلك فمن المهم التنويه الى أن هذه الفترة قصيرة مقارنة بالفترة الممنوحة – قانونياً – للعمالة الوافدة. حيث يسمح للعمالة الوافدة "بالبحث عن مشغل" لمدة 90 يوم.

حتى موعد كتابة التقرير، لم تعقد حسب معلوماتنا أية معارض تشغيل أو تدريبات مهنية، كما يبدو بسبب غياب امكانية عملية للقيام بمثل هذه الفعاليات في زمن جائحة الكورونا والإغلاقات المفروضة للحدّ من انتشارها. لم تنشر حتى الآن أيضاً أية معلومات على الانترنت– والتي لا مانع من نشرها في فترة الكورونا، لم تنشر قائمة بأسماء المشغلين الذين يحملون حصص التشغيل الشاغرة، ولم تنشر بالتأكيد أساليب التواصل مع مثل هؤلاء المشغلين. امكانية البحث بشكل مستقل عن العمل لم تطور بعد ولم تتم إتاحتها، وعملياً فإن كل المعلومات عن الإصلاحات وأبعادها لم تنشر بعد بالعربية وفي المواقع المتوفرة للعمال. اليوم، كما سنرى، تبدو الإصلاحات في مراحلها الأولية ليست أكثر من إعلان نوايا، في حين تتنامى تجارة التصاريح في فرع البناء أيضاً الذي بوشر فيه بتطبيق الترتيبات الجديدة.

المعطيات الأولية – هل أثّر دخول الإصلاحات حيّز التنفيذ على جباية رسوم السمسرة؟ 

أكثر من ثلث عمال البناء الذين تحدثنا معهم أشاروا الى أنهم يدفعون مقابل التصريح دفعة شهرية، حتى بعد دخول الإصلاحات حيز التنفيذ في السابع من شهر كانون أول- ديسمبر 2020.[14] فقط عامل واحد أشار الى أنه دفع في الماضي ولم يدفع منذ ذلك التاريخ. قيمة المبلغ الشهري بقيت على ما كانت عليه، وغالبية العمال دفعوا مبلغاً يتراوح بين 1,500 و 2,000 شيكل جديد في الشهر.[15] كما أن أربعين عاملا أشاروا الى أنهم طولبوا بإيداع كمبيالة مقابل التصريح، حتى بعد دخول الإصلاحات حيز التنفيذ[16].

المعلومات التي أفادت بأن الإصلاحات في أشهرها الأولى لم تغير الوضع بل قد تكون رفعت الأسعار، تنعكس في المقابلات التي أجريناها.

أيضاً من حيث حرية التنقل بين المشغلين – وهو موضوع شائك وله اسقاطاته على قدرة العمال على التفاوض والدفاع عن حقوقهم – أفاد نصف المجيبين عن الأسئلة بأنهم حاولوا تغيير المشغل في بداية 2021 (أي بعد بدء العمل بالإصلاحات) إلا أن غالبيتهم لم ينجحوا بذلك.[17]

ما زالت إعلانات بيع التصاريح تُنشر منذ بدء العمل بالإصلاحات، وتقاعس السلطات عن فرض القانون ما زال جلياً من خلال نشر الإعلانات دون رادع.

نظراً للوقت القصير الذي مر منذ بدء العمل بالإصلاحات، سيكون من السابق لأوانه تقييم التغيير الذي ستحدثه على المدى البعيد. يتطلب الأمر القيام ببحث آخر، بعد بضعة شهور، لتقييم التغييرات في التوجهات وعلى السلطات البدء بفرض الرقابة وتطبيق القانون في الفترة المرحلية.

الى جانب هذا، وما لم يرافق إلغاء التقييد للمشغل امكانية عملية للعثور على مشغل جديد وتقليص التعلق في السماسرة والمشغلين، سيبقى العمال بحاجة الى السماسرة بغرض الحصول على تصريح عمل في اسرائيل – هذا التعلق سيكلفهم دفع رسوم سمسرة شهرية عالية جدا. تجدر الإشارة الى أن جزء ممن أجابوا عن الأسئلة يدفعون رسوم السمسرة لمشغليهم الحاملين للتصاريح مباشرة – حتى بعد لإصلاحات.

حتى الساعة، ثمة مسافة فاصلة كبيرة بين الهدف من وراء الإصلاحات، والمتمثل بزيادة قوة التفاوض للعمال ووقف تجارة التصاريح، وبين التطبيق الشحيح، وغياب المعلومات ووصولها للعمال، والتقاعس عن خلق آليات لضمان استقلالية البحث عن عمل. في ظل غياب الآليات المتشابكة من المعلومة وإتاحة الوصول الى المشغل والتطبيق – لم تحقق الإصلاحات حتى الآن نتائج: ما زال التقييد موجوداً بغياب امكانية الاستقالة والعثور على مشغل جديد، وما زالت تجارة التصاريح تزدهر على ظهور العاملين. لقد خلقت الإصلاحات وضعاً جديداً نسبياً من الضغط الكبير على العمال لدخول الحصص الموجودة على ضوء الوعود بتحريرهم من السماسرة إذا كانوا ضمن الحصص العمالية، والشهادات على هذه الضغوط ما زالت في بداياتها. الضغط يزيد من الحاجة الى المعلومات للعاملين عن الحصص وإتاحة اجراءات استصدار التصاريح وفعاليات أخرى تتنصّل السلطات من تحمل مسؤوليتها حتى كتابة هذا التقرير.

"إذا تحرّرنا نخسر التصريح"

[1] تقرير الطاقم الوزاري المشترك، ص 27.

[2] قرار الحكومة 2174، البند 3.أ

[3] قرار الحكومة 3431 بتاريخ 11.1.2018 "سياسة الحكومة بشأن تشغيل العمال غير الإسرائيليين وتعديل قرار الحكومة"، ص: 9. أميتاي غازيت، "الاصلاحات في تشغيل الفلسطينيين في اسرائيل تتخطى الخط الأخضر"، مجلة كلكاليست 15.10.2018.

[4] تقرير مراقب الدولة 2020، ص: 24-25.

[5] . التماس محكمة العدل العليا رقم  6272/20 عنوان العامل ضد حكومة اسرائيل، (الالتماس من تاريخ 10.9.2020 وما زال الملف عالقاً في المحكمة)

[6] . سلطة السكان والهجرة 9.1.1001"نظام ترتيب تشغيل العمال الفلسطينيين في اسرائيل في فرع البناء" (22.10.2020)

[7] . هناك، بند 10.ب.

[8] . هناك، بند 10.و

[9] . هناك، بند 10.ز وبند ح.2.

[10] . هناك، بند ح 9

[11] . هناك، بند  ط 5

[12] . هناك، بند ب11

[13] تقرير الطاقم الوزاري المشترك ص. 27،29.

[14] 75 من أصل 215 أجابوا على الشؤال. 139 أجابوا أنهم لا يدفعون ولم يدفعوا في الماضي.

[15]61 من أصل 80 أجابوا أنهم دفعوا بين 1501 ش.ج. و- 2500 ش.ج.، 12 دفعوا بين 1001 و- 1500 ش.ج.، و7 أجابوا بأنهم دفعوا أكثر من 1500 في اشهر (هناك عدم ملاءمة طفيفة بين إجابة هذا السؤال والسؤال السابق).

[16] 38 من أصل 42 أجابوا أيجاباً أنهم قد أودعوا كمبيالة و 4 شيكات.

[17] السؤال الذي طرح هو "هل حاولت تغيير مشغل في الشهر الأخير؟" كل المستطلعين إجابوا في شهر شباط-فبراير 2021، شهرين بعد دخول الإصلاحات حيز التنفيذ. 103 من أصل 209 أجابوا أنهم حاولوا تغيير المشغل/ ومن أجاب بنعم سئل إذا نجح في العثور على مشغل. 91 من أصل 106 أجابوا بأنهم حاولوا، ولم ينجحوا (هنا أيضاً يوجد عدم ملاءمة طفيف بين العدد – 103 أجابوا بنعم مقابل 106 أجابوا على السؤال الثاني).

 

Loader Loading...
EAD Logo Taking too long?

Reload Reload document
| Open Open in new tab